فصل: (سورة الكهف: الآيات 50- 51).

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الكهف: آية 45].

{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45)}.
{فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ} فالتف بسببه وتكاثف حتى خالط بعضه بعضا. وقيل: نجع في النبات الماء فاختلط به حتى روى ورف رفيفا، وكان حق اللفظ على هذا التفسير: فاختلط بنبات الأرض. ووجه صحته أن كل مختلطين موصوف كل واحد منهما بصفة صاحبه.
والهشيم: ما تهشم وتحطم، الواحدة هشيمة. وقرئ: {تذروه الريح}.
وعن ابن عباس: تذريه الرياح، من أذرى: شبه حال الدنيا في نضرتها وبهجتها وما يتعقبها من الهلاك والفناء، بحال النبات يكون أخضر وارفا ثم يهيج فتطيره الرياح كأن لم يكن {وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ} من الإنشاء والإفناء {مُقْتَدِرًا}.

.[سورة الكهف: آية 46].

{الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)}.
{الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ} أعمال الخير التي تبقى ثمرتها للإنسان وتفنى عنه كل ما تطمح إليه نفسه من حظوظ الدنيا. وقيل هي الصلوات الخمس. وقيل: سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر.
وعن قتادة: كل ما أريد به وجه اللّه {خَيْرٌ} {ثَوابًا} أي ما يتعلق بها من الثواب وما يتعلق بها من الأمل، لأنّ صاحبها يأمل في الدنيا ثواب اللّه، ويصيبه في الآخرة.

.[سورة الكهف: الآيات 47- 48].

{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48)}.
قرئ: {تسير}، من سيرت- ونسير، من سيرنا. وتسير، من سارت، أى: تسير في الجو. أو يذهب بها، بأن تجعل هباء منبثا. وقرئ: {وترى الأرض} على البناء للمفعول {بارِزَةً} ليس عليها ما يسترها مما كان عليها {وَحَشَرْناهُمْ} وجمعناهم إلى الموقف. وقرئ: {فلم نغادر}، بالنون والياء، يقال: غادره وأغدره إذا تركه. ومنه الغدر. ترك الوفاء. والغدير: ما غادره السيل. وشبهت حالهم بحال الجند المعروضين على السلطان {صَفًّا} مصطفين ظاهرين، يرى جماعتهم كما يرى كل واحد لا يحجب أحد أحدا {لَقَدْ جِئْتُمُونا} أي قلنا لهم: لقد جئتمونا. وهذا المضمر هو عامل النصب في يوم نسير. ويجوز أن ينصب بإضمار اذكر. والمعنى لقد بعثناكم كما أنشأناكم {أوَّلَ مَرَّةٍ} وقيل جئتمونا عراة لا شيء معكم كما خلقناكم أوّلا، كقوله: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى}. فإن قلت لم جيء بـ: {حشرناهم} ماضيا بعد {نسير} و{ترى}؟ قلت: للدلالة على أن حشرهم قبل التسيير وقبل البروز، ليعاينوا تلك الأهوال العظائم، كأنه قيل: وحشرناهم قبل ذلك {موْعِدًا} وقتا لإنجاز ما وعدتم على ألسنة الأنبياء من البعث والنشور.

.[سورة الكهف: آية 49].

{وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)}.
{الْكِتابُ} للجنس وهو صحف الأعمال {يا وَيْلَتَنا} ينادون هلكتهم التي هلكوها خاصة من بين الهلكات {صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً} هنة صغيرة ولا كبيرة، وهي عبارة عن الإحاطة، يعنى: لا يترك شيئا من المعاصي إلا أحصاه، أى: أحصاها كلها كما تقول: ما أعطانى قليلا ولا كثيرا، لأن الأشياء إما صغار وإما كبار. ويجوز أن يريد: وإما كان عندهم صغائر وكبائر. وقيل: لم يجتنبوا الكبائر فكتبت عليهم الصغائر وهي المناقشة.
وعن ابن عباس: الصغيرة التبسم، والكبيرة القهقهة.
وعن سعيد بن جبير: الصغيرة المسيس، والكبيرة الزنا.
وعن الفضيل: كان إذا قرأها قال: ضجوا واللّه من الصغائر قبل الكبائر {إِلَّا أَحْصاها} إلا ضبطها وحصرها {وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِرًا} في الصحف عتيدا. أو جزاء ما عملوا {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} فيكتب عليه ما لم يعمل. أو يزيد في عقاب المستحق، أو يعذبه بغير جرم، كما يزعم من ظلم اللّه في تعذيب أطفال المشركين بذنوب آبائهم.

.[سورة الكهف: الآيات 50- 51].

{وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51)}.
{كانَ مِنَ الْجِنِّ} كلام مستأنف جار مجرى التقليل بعد استثناء إبليس من الساجدين، كأن قائلا قال: ما له لم يسجد؟ فقيل: كان من الجن {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} والفاء للتسبيب أيضا، جعل كونه من الجن سببا في فسقه، لأنه لو كان ملكا كسائر من سجد لآدم لم يفسق عن أمر اللّه، لأنّ الملائكة معصومون ألبتة لا يجوز عليهم ما يجوز على الجن والإنس، كما قال: {لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} وهذا الكلام المعترض تعمد من اللّه تعالى لصيانة الملائكة عن وقوع شبهة في عصمتهم. فما أبعد البون بين ما تعمده اللّه، وبين قول من ضادّه وزعم أنه كان ملكا ورئيسا على الملائكة، فعصى، فلعن ومسخ شيطانا، ثم ورّكه على ابن عباس. ومعنى {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} خرج عما أمره به ربه من السجود. قال:
فواسقا عن قصدها جوائرا

أو صار فاسقا كافرا بسبب أمر ربه الذي هو قوله: {اسْجُدُوا لِآدَمَ}. {أَفَتَتَّخِذُونَهُ} الهمزة للإنكار والتعجيب، كأنه قيل: أعقيب ما وجد منه تتخذونه {وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي} وتستبدلونهم بى، بئس البدل من اللّه إبليس لمن استبدله، فأطاعه بدل طاعته. اهـ.

.قال النسفي:

{واضرب لهُمْ مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ}.
ومثل حال الكافرين والمؤمنين بحال رجلين وكانا أخوين في بني إسرائيل، أحدهما كافر اسمه قطروس، والآخر مؤمن اسمه يهوذا.
وقيل: هما المذكوران في والصافات في قوله: {قال قائل منهم إني كان لي قرين} [الصافات: 51] ورثًا من أبيهما ثمانية آلاف دينار فجعلاها شطرين، فاشترى الكافر أرضًا بألف دينار فقال المؤمن: اللهم إن أخي اشترى أرضًا بألف دينار وأنا أشتري منك أرضًا في الجنة بألف فتصدق به، ثم بنى أخوه دارًا بألف فقال: اللهم إني أشتري منك دارًا في الجنة بألف فتصدق به، ثم تزوج أخوه امرأة بألف فقال: اللهم إني جعلت ألفًا صداقًا للحور، ثم اشترى أخوه خدمًا ومتاعًا بألف دينار فقال: اللهم إني اشتريت منك الولدان المخلدين بألف فتصدق، به ثم أصابته حاجة فجلس لأخيه على طريقه فمر به في حشمه فتعرض له فطرده ووبخه على التصدق بماله {جَعَلْنَا لأَِحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أعناب} بساتين من كروم {وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ} وجعلنا النخل محيطًا بالجنتين وهذا مما يؤثره الدهاقين في كرومهم أن يجعلوها مؤزرة بالأشجار المثمرة.
يقال حفوه إذا أطافوا به، وحففته بهم أي جعلتهم حافين حوله وهو متعد إلى مفعول واحد فتزيد الباء مفعولًا ثانيًا {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا} جعلناها أرضًا جامعة للأقوات والفواكه، ووصف العمارة بأنها متواصلة متشابكة لم يتوسطها ما يقطعها مع الشكل الحسن والترتيب الأنيق {كِلْتَا الجنتين اتَتْ} أعطت حمل على اللفظ لأن اللفظ {كلتا} مفرد ولو قيل آتتا على المعنى لجاز {أُكُلُهَا} ثمرها {وَلَمْ تَظْلِمِ مّنْهُ} ولم تنقص من أكلها {شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خلالهما نَهَرًا} نعتهما بوفاء الثمار وتمام الأكل من غير نقص ثم بما هو أصل الخير ومادته من أمر الشرب فجعله أفضل ما يسقى به وهو النهر الجاري فيها.
{وَكَانَ لَهُ} لصاحب الجنتين {ثَمَرٌ} أنواع من المال من ثمر ماله إذا كثره أي كانت له إلى الجنتين الموصوفتين الأموال الكثيرة من الذهب والفضة وغيرهما له ثمر.
{وأحيط بثمره} بفتح الميم والثاء: عاصم، وبضم الثاء وسكون الميم: أبو عمرو، وبضمهما: غيرهما {فَقَالَ لصاحبه وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} يراجعه الكلام من حار يحور إذا رجع، يعني قطروس أخذ بيد المسلم يطوف به في الجنتين ويريه ما فيهما ويفاخره بما ملك من المال دونه {أَنَاْ أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} أنصارًا وحشمًا، أو أولادًا ذكورًا لأنهم ينفرون معه دون الإناث.
{وَدَخَلَ جَنَّتَهُ} إحدى جنتيه أو سماها جنة لاتحاد الحائط، وجنتين للنهر الجاري بينهما {وَهُوَ ظَالِمٌ لّنَفْسِهِ} ضار لها بالكفر {قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هذه أَبَدًا} أي أن تهلك هذه الجنة، شك في بيدودة جنته لطول أمله وتمادي غفلته واغتراره بالمهلة، وترى أكثر الأغنياء من المسلمين تنطق ألسنة أحوالهم بذلك {وَمَا أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً} كائنة {وَلَئِن رُّدِدتُّ إلى رَبّى لأَجِدَنَّ خَيْرًا مّنْهَا مُنْقَلَبًا} إقسام منه على أنه إن رد إلى ربه على سبيل الفرض كما يزعم صاحبه ليجدن في الآخرة خيرًا من جنته في الدنيا إدعاء لكرامته عليه ومكانته عنده {منقلبًا} تمييز أي مرجعًا وعاقبة {قَالَ لَهُ صاحبه وَهُوَ يحاوره أَكَفَرْتَ بالذى خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ} أي خلق أُصلك لأن خلق أصله سبب في خلقه وكان خلقه خلقًا له {ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} أي خلقك من نطفة {ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} عدلك وكملك إنسانًا ذكرًا بالغًا مبلغ الرجال جعله كافرًا بالله لشكه في البعث.
{لَكُنَّا} بالألف في الوصل: شامي، الباقون بغير ألف، وبالألف في الوقف اتفاق، وأصله لكن أنا فحذفت الهمزة وألقيت حركتها على نون لكن فتلاقت النونان فأدغمت الأولى في الثانية بعد أن سكنت {هُوَ الله رَبّى} هو ضمير الشأن والشأن الله ربي والجملة خبر أنا والراجع منها إليه ياء الضمير، وهو استدراك لقوله: {أكفرت} قال لأخيه أنت كافر بالله لكني مؤمن موحد كما تقول: زيد غائب لكن عمرًا حاضر، وفيه حذف أي أقول هو الله بدليل عطف {وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبّى أَحَدًا وَلَوْلاَ} وهلا {إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء الله} {ما} موصولة مرفوعة المحل على أنها خبر مبتدأ محذوف تقديره: الأمر ما شاء الله، أو شرطية منصوبة الموضع والجزاء محذوف يعني أي شيء شاء الله كان والمعنى هلا قلت عند دخولها والنظر إلى ما رزقك الله منها الأمر ما شاء الله، اعترافا بأنها وكل ما فيها إنما حصل بمشيئة الله، وأن أمرها بيده إن شاء تركها عامرة وإن شاء خربها، {لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله} إقرارًا بأن ما قويت به على عمارتها وتدبير أمرها هو بمعونته وتأييده.
من قرأ: {إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالًا} بنصب {أقل} فقد جعل {أنا} فصلًا ومن رفع وهو الكسائي جعله مبتدأ و{أقل} خبره والجملة مفعولًا ثانيًا لـ: {ترني} وفي قوله: {وَوَلَدًا} نصرة لمن فسر النفر بالأولاد في قوله: {وأعز نفرا}.
{فعسى رَبّى أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مّن جَنَّتِكَ} في الدنيا أو في العقبي {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا} عذابًا {مِّنَ السماء فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} أرضًا بيضاء يزلق عليها لملاستها {أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا} غائرًا أي ذاهبًا في الأرض {فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا} فلا يتأتى منك طلبه فضلًا عن الوجود، والمعنى إن ترن أفقر منك فأنا أتوقع من صنع الله أن يقلب ما بي ومابك من الفقر والغنى فيرزقني لإيماني جنة خيرًا من جنتك، ويسلبك لكفرك نعمته ويخرب بساتينك.
{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} هو عبارة عن إهلاكه وأصله من أحاط به العدو لأنه إذا أحاط به فقد ملكه واستولى عليه ثم استعمل في كل إهلاك {فَأَصْبَحَ} أي الكافر {يُقَلّبُ كَفَّيْهِ} يضرب إحداهما على الآخر ندمًا وتحسرًا وإنما صار تقليب الكفين كناية عن الندم والتحسر لأن النادم يقلب كفيه ظهرًا لبطن كما كنى عن ذلك بِعَضِّ الكف والسقوط في اليد، ولأنه في معنى الندم عُدي تعديته بـ: {على} كأنه قيل: فأصبح يندم {عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا} أي في عمارتها {وَهِىَ خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا} يعني أن المعرشة سقطت عروشها على الأرض وسقطت فوقها الكروم {وَيَقُولُ ياليتنى لَمْ أُشْرِكْ بِرَبّى أَحَدًا} تذكر موعظة أخيه فعلم أنه أتي من جهة كفره وطغيانه فتمنى لو لم يكن مشركًا حتى لا يهلك الله بستانه حين لم ينفعه التمني، ويجوز أن يكون توبة من الشرك وندمًا على ما كان منه ودخولًا في الإيمان {وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ} يقدرون على نصرته {مِن دُونِ الله} أي هو وحده القادر على نصرته لا يقدر أحد غيره أن ينصره إلا أنه لم ينصره لحكمة {وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا} وما كان ممتنعًا بقوته عن انتقام الله {هُنَالِكَ الولاية لِلَّهِ الحق} {يكن} بالياء و{الولاية} بكسر الواو: حمزة وعلي فهي بالفتح النصرة والتولي، وبالكسر السلطان والملك، والمعنى هنالك أي في ذلك المقام وتلك الحال النصرة لله وحده لا يملكها غيره ولا يستطيعها أحد سواه تقريرًا لقوله: {ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله} أو هنالك السلطان والملك صلى الله عليه وسلم لا يغلب، أو في مثل تلك الحالة الشديدة يتولى الله ويؤمن به كل مضطر يعني أن قوله: {يا ليتني لم أشرك بربي أحدًا} كلمة ألجيء إليها فقالها جزعًا مما دهاه من شؤم كفره ولولا ذلك لم يقلها.
أو هنالك الولاية لله ينصر فيها أولياءه المؤمنين على الكفرة وينتقم لهم يعني أنه نصر فيما فعل بالكافر أخاه المؤمن وصدق قوله: {فعسى ربي أن يؤتيني خيرًا من جنتك ويرسل عليها حسبانًا من السماء} ويؤيده قوله: {هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقبًا} أي لأوليائه، أو {هنالك} إشارة إلى الآخرة أي في تلك الدار الولاية لله كقوله: {لمن الملك اليوم} [غافر: 16] {الحق} بالرفع: أبو عمرو وعلي صفة لـ: {الولاية} أو خبر مبتدأ محذوف أي هي الحق أو هو الحق.
غيرهما بالجر صفة لله.
و{عقبا} ً بسكون القاف: عاصم وحمزة، وبضمها: غيرهما، وفي الشواذ {عقبى} على وزن فعلى وكلها بمعنى العاقبة.
{واضرب لَهُم مَّثَلَ الحياة الدنيا كَمَاء أنزلناه مِنَ السماء} أي هي كماء أنزلناه {فاختلط بِهِ نَبَاتُ الأرض} فالتف بسببه وتكاثف حتى خالط بعضه بعضًا أو أثر في النبات الماء فاختلط به حتى روى {فَأَصْبَحَ هَشِيمًا} يابسًا متكسرًا الواحدة هشيمة {تَذْرُوهُ الرياح} تنسفه وتطيره.
{الريح} حمزة وعلي {وَكَانَ الله على كُلّ شَىْء} من الإنشاء والإفناء {مُّقْتَدِرًا} قادرًا، شبه حال الدنيا في نضرتها وبهجتها وما يتعقبها من الهلاك والإفناء بحال النبات يكون أخضر ثم يهيج فتطيره الريح كأن لم يكن.